بين النقد والإنتقاد

الصورة

يُحكى،،،

عن ملك بلدٍ أراد أن يختبر وفاء وانتماء شعبه للوطن، وقد أمر الملك جنوده بوضع صخرة كبيرة في أحد الطرق المليئة بالقوافل والتجار، وهي من أكثر الطرق التجارية والمهمة في البلد... واختبىء الملك في منطقة مليئة بالأشجار، ليراقب وضع المارة في تعاملهم مع الصخرة التي عرقلت مسير القوافل.... مرّ بضعة من التجار الأثرياء من جانب الصخرة، ولكنهم لم يحركوا ساكناً، فيما أبدى بعضهم التذمر والانزعاج من سلطة الملك الذي لم يقم بمتابعة طرق البلد وإصلاحها، وبعد حين مرّ أهل المنطقة في ذلك الشارع، وتحديداً من جانب الصخرة، ومروا من جانبها وهم يتذمرون على قيادة البلد وكيف لا يهتمون بالصغيرة قبل الكبيرة... بقي الملك يراقب المشهد من بعيد... وبعد مرور ساعاتٍ طويلة، ظهر من بعيد فلاح بسيط يمتطي حماره وعلى ظهر حماره سلال من الخضار، ما إن وصل جانب الصخرة حتى نزل عن حماره وربطه بالقرب منه، وراح يحاول إزاحة الصخرة بكل ما أوتي من قوة، إلى أن نجح في إزاحتها بعد جهدٍ وتعبٍ كبير... عاد الفلاح ليمتطي حماره ويأخذ سلاله ليحملها ويغادر المكان، فوجئ حينها بكيس من القماش مليء بالدراهم الذهبية، ملقى في المكان الذي أزاح الصخرة منه، إلتقطه بين يديه وبدأت عيناه تغرقان بالدموع ولا تصدقان ما تشاهدان، فتح الكيس مرة أخرى ووجد فيه ورقة مكتوب عليها: " هذا الكيس هدية مني لك، لأنك أزحت الصخرة من أمام المارة، أنا ملك البلاد..."

إخوتي، كل عقبة نواجهها في حياتنا هي فرصة لنا لتحسين واقعنا وظروفنا، ففي الوقت الذي يكتفي فيه المتذمرون والكسالى بالشكوى، يقوم الأذكياء باستغلال هذه المواقف لتكون فرصة جيدة لهم من خلال طيبتهم وكرمهم ورغبتهم الصادقة في العمل.

فما بين النقد والانتقاد خيط رفيع، هناك تضاد بين البناء والهدم، وبين الإيجابية والسلبية، فالنقد البناء هو إظهار الجوانب السلبية لأي فعل أو قرار أو فكرة، بهدف الإرتقاء وتعديل المسار قبل تفاقم الخطأ، المهم في النقد أن يحمل الصفة الإيجابية من غير أن يترك الشخص المنتقد أثراً سلبياً في نفوس الآخرين من إهانة - لا قدر الله -، أو القصد بالتجريح الصريح لهم، أو لأجل انتقادهم بأسلوب سلبي... نحن لا نريد نقداً مليئاً بالكره والحقد وخالٍ من الموضوعية، لا نريد نقداً خاضعاً خضوعاً تاماً لمشاعر المنتقد وعواطفه...

نريد نقداً يرتقي بنا وبمن ننتقد عمله، نقداً قوامه المعرفة والعلم والخبرة في الشيء، نقداً أساسه الفكر والمنطق، نقداً يبعدنا عن الشخصنة والحقد... لا نريد نقداً يبعدنا عن منهجية العمل، ويقربنا من همجية الموقف،  فبعض الكلمات تخرج من أصحاب منتقديها كالرصاص في قلب متلقيها... مهلاً إخوتي فهم أيضاً " بشرٌ" لهم مشاعر جياشه،  وربما أكثر حساسية منا...

وتذكروا بأن كل حدث نمر به في حياتنا، علينا أن نعبر به إلى ضفة الآخر، أي أن نضع أنفسنا مكانه، فإذا وجدنا أن تصرفاتنا أو كلماتنا التي تخرج منا لائقة أو مسيئة، عندها يمكننا الحكم على أنفسنا واختيار الطريقة الأفضل والأنسب للحديث في الموقف...

فكن ناقداً بناءً، هدفك التصحيح والتصويب، واعتمد على الحجج والبراهين وبطرق إيجابية، ولا تكن منتقداً سلبياً، هدفك محاولة تصيّد أخطاء الأخرين لا أكثر ولا أقل... فالأنظار دائماً تتجه نحو الناجحين ودائرة الإنتقاد لا تخلو من المحبطين، والساعي للإبداع والتميز، يعلم بأن مفتاح الفوز هو الصبر والعزيمة والإصرار والوقوف أمام كل المحبطين...

" افعل ما هو صحيح... ثم أدر ظهرك لكل نقد سخيف... " فما قد يبدو لك أنه خسارة قد يكون هو بالتحديد الشيء الذي يصبح فيما بعد مسؤولاً عن إتمام أعظم إنجازات حياتك.